تشرد بلا نهاية.. الهجرة الأفغانية تتحول إلى أزمة ممتدة تختبر ضمير العالم
تشرد بلا نهاية.. الهجرة الأفغانية تتحول إلى أزمة ممتدة تختبر ضمير العالم
تواصل الهجرة الأفغانية ترسيخ نفسها كأحد أطول مسارات اللجوء في التاريخ الحديث، إذ لم تكن نتاج حرب واحدة أو ظرف عابر، بل حصيلة متراكمة لانقلابات سياسية وصراعات مسلحة وانهيارات اقتصادية متعاقبة، جعلت مغادرة البلاد خيارًا شبه دائم لملايين الأفغان، وذلك وفق تقارير دولية صدرت خلال عام 2025.
تكشف بيانات راجعتها مؤسسات أممية، ونشرتها مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، على موقعها الرسمي، أن أكثر من ستة ملايين أفغاني يعيشون حاليًا خارج بلادهم، بينما تجاوز العدد الإجمالي للاجئين الأفغان حول العالم 10.3 مليون شخص قبل موجات الترحيل القسري الأخيرة من دول الجوار، في واحدة من أوسع حالات الشتات انتشارًا في العالم.
تعود بدايات الهجرة الأفغانية الحديثة إلى 31 ديسمبر 1979، تاريخ الغزو السوفياتي لأفغانستان، والذي أطلق أولى موجات النزوح الجماعي، لتتحول البلاد لاحقًا إلى أكبر مصدر للاجئين في العالم بعد الحرب العالمية الثانية، وفق توصيف الأمم المتحدة، وهو وضع استمر قرابة 17 عامًا.
عودة وضغط داخلي
تحذّر مفوضية اللاجئين من أن عودة ما لا يقل عن 4.5 مليون أفغاني قسرًا من إيران وباكستان خلال العام الجاري قد تزعزع الاستقرار في كابول، خاصة بعد أن أدت هذه العودة إلى زيادة عدد سكان البلاد بنحو 10% خلال فترة قصيرة، ما فاقم الضغط على الخدمات الأساسية وفرص العمل.
تتهم مصادر حكومية أفغانية إسلام آباد وطهران باستخدام ملف اللاجئين كورقة ضغط سياسية، بعد تقليص المساعدات الدولية، بينما تؤكد السلطات في كابول تشكيل لجان خاصة للإشراف على العائدين في ظل محدودية الإمكانات.
وتُظهر الإحصاءات أن باكستان وإيران ظلتا لعقود الوجهة الأولى للاجئين الأفغان، قبل أن تتراجع مكانتهما بفعل سياسات الترحيل، في حين يعيش نحو مليوني أفغاني في الدول الغربية، هاجر ثلثاهم خلال العقد الأخير، لا سيما بعد عودة طالبان إلى الحكم في أغسطس 2021.
وتستضيف ألمانيا أكثر من 461 ألف أفغاني، يتميز مجتمعهم هناك بكونه شابًا، بمتوسط عمر يبلغ 27 عامًا، بينما تشكل النساء 35%، في وقت يؤكد خبراء اندماج أن اللغة والاعتراف بالشهادات أبرز التحديات، خصوصًا لمن تجاوزوا الأربعين.
سياسات متشددة وآفاق ضيقة
تسجل بريطانيا تصدر الأفغان لقائمة الواصلين عبر القوارب منذ 2018، إلا أن تشديد سياسات اللجوء خفّض نسبة قبول طلباتهم إلى 33% في 2025، بينما لا تتجاوز الجالية الأفغانية في الولايات المتحدة 325 ألف شخص رغم وصول عشرات الآلاف خلال السنوات الأخيرة.
تُعد كندا استثناءً نسبيًا، بعد وفائها بتعهدات إعادة التوطين، في حين فتحت دول بعيدة مثل البرازيل وأوغندا ورواندا أبوابها مؤقتًا، لتتحول إلى محطات عبور أكثر منها وجهات استقرار.
ويرى خبراء وحقوقيون أن أزمة الأفغان لم تعد مسألة أرقام، بل اختبارًا حقيقيًا لالتزام المجتمع الدولي بمسؤولياته الإنسانية، محذرين من أن تشديد سياسات الهجرة قد يدفع الآلاف إلى طرق غير نظامية أو إلى عودة قسرية محفوفة بالمخاطر.
ويخلص مراقبون إلى أن تجاهل واحدة من أقدم أزمات اللجوء في العالم، بعد انشغال المجتمع الدولي بأزمات أخرى، يترك ملايين الأفغان عالقين بين حدود مغلقة ومستقبل غامض، في انتظار استجابة دولية أكثر عدالة وإنصافًا.











